دما يحين المساء، وبعد أن تعود الطيور إلى أوكارها، ويخلو كل حبيب بحبيبه، بعد يوم شاقٍّ من العمل ومشكلات الحياة الصاخبة اللاهبة، وبعد ما أعود إلى أولادي وزوجتي؛ أستمع إلى مشكلاتهم البسيطة العذبة.. أذهب إلى سريري أمسك مصحفي المعطَّر، أتناوله بكل حنوٍّ وشوق وحب وأدب، أشمُّ أوراقه وحروفه المضيئة، أمرِّر يدي على دفَّتيه، كما أفعل مع طفلي الصغير أو كنزي الذي أحلم به، أرفعه بكلتا يديّ وأحضنه قليلاً، ثم أفتح وردي وأتلو ما تيسر من كلمات الله العظيم.
النوم يداعب عيني، والتعب يفتك بي، أمسكت مصحفي ووضعته على أشرف جزء مني.. على قلبي.. ثم على وجهي.. ضاع الألم.. نسيت التعب.. انقشع الهم.. هدأت نفسي.. سرى فيها تيار حلو، بارد عذب، من الوصال والمتعة والأنس، قمت من فوري ألملم نفسي التي كانت مبعثرةً فوجدتها معي خفيفةً سهلةً، تقودني إلى الأرض؛ حيث سجدة طويلة جميلة مريحة، وودت أن تكون سجدة لألف عام على نعمة واحدة؛ هي نعمة القرآن.
رجعت وتذكرت ذلك العربيد الكاهن اللبناني الشهير؛ الذي حاول أن يضاهي القرآن، احتفى به الطغاة الظالمون والعصاة المزورون وأصحاب الزنا والخنى، وأغدقوا عليه من النعم بعد فقر وألم، حاول أن يقلد القرآن، معه حاسوبه العملاق، وقواميس اللغة العربية، وأساطين الأدب والبلاغة، وأموال بني صهيون التي جلبوها من مصادرهم المشهورة المعروفة.. المخدرات والدعارة والربا والإغارة، ومعه تاريخ طويل من المحاولات الفاشلة اليائسة العربيدة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا يحاولون ويفشلون..