عضو مجلس حكماء البنك الوطني
العريان يتبرع لمشروع زويل العلمي بـ 30 مليون دولار
تبرع الرئيس التنفيذي المشارك في شركة بيمكو العالمية د. محمد العريان بمبلغ 30 مليون دولار لمشروع د. زويل العلمي. وتبرع العريان عضو مجلس حكماء بنك الكويت الوطني يمثل نزعة الأغلبية العظمى للمصريين في الخارج، الذين يتحلون بالوطنية، والمصرية الصافية، والذين خرجوا في الأغلب، لأن لديهم من الطموح والرغبة في التقدم ما دفعهم إلى تحمل الرحلة المضنية، إلى الدرجة التي تجعل بعضهم يتعرض للغرق في الطريق. ود. محمد العريان هو مثال متقدم بالمعايير المصرية والأميركية أيضاً، وهؤلاء ما يجب أن يتم جذبهم لكي يكونوا جزءاً من السياسة والاقتصاد والمجتمع المصري، بحكم العدد والمعرفة والطاقة الاقتصادية والنفوذ في العالم، والتجربة الغنية.
ترك الوطن وهو في العاشرة لدرجة أنه يتحدث العربية بلكنة أجنبية, إلا إنه يتنفس هواء مصر حبا عبر الأطلنطي في الولايات المتحدة بلد المهجر... تخرج في جامعة كيمبريدج البريطانية العريقة وحصل علي الدكتوراه في الاقتصاد من أكسفورد.
إلا إنه مازال يعشق أغاني عبد الحليم حافظ الوطنية ويدمن مشاهدة أفلام فريد شوقي وفؤاد المهندس... عمل اقتصاديا بارزا في صندوق النقد الدولي, إلا إنه من أشد المؤمنين بالعدالة الاجتماعية ويري أن النمو من دونها لا يعني شيئا... التقي نموذجه الأعلي الدكتور العالم أحمد زويل اربع مرات فقط علي مدار الشهور الأخيرة, إلا إنه قرر التبرع من حر ماله بـ30 مليون دولار لمشروع زويل القومي للنهوض بمصر علميا وتكنولوجيا... بالرغم من أنه وصل إلي أعلي الدرجات العلمية والتنفيذية في الاقتصاد, إلا أنه يرفض مجرد محاولة المقارنة بينه وبين الدكتور زويل, مشبها نفسه بمستوي فريق الترسانة الذي كان يشجعه طفلا وبين مستوي أداء فريق الأهلي مشيرا إلي العالم المصري الحائز علي جائزة نوبل! الأهرام التقي الدكتور محمد العريان المدير التنفيذي لأكبر شركة في العالم لإدارة الأصول الاستثمارية والتي تبلغ قيمتها1.1 تريليون دولار والذي يسمي بحكيم وول ستريت, وذلك خلال زيارته التي استغرقت ساعات لتسلم درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بمصر, حيث رسم خارطة طريق لنجاح ما أسماه بالمرحلة الثانية من الثورة, فإلي التفاصيل...
تبرع بـ30 مليون دولار لمشروع زويل .. الأهرام يحاور العالم المصري الدكتور محمد العريان أحد أهم اقتصاديي العالم الأهرام: من بين الألقاب الكثيرة التي أطلقت عليك الرجل الغامض.. لماذا؟
العريان: لم أسمع بهذا اللقب, ولكنني شعرت دائما بأنني غريب; فقد صاحبت والدي خلال عمله كدبلوماسي مصري خدم في نيويورك ثم باريس ثم مستشارا قانونيا للوفد المصري في مفاوضات جنيف مع إسرائيل عام1974 وذلك قبل أن ينتخب قاضيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وعندما انتقلت للدراسة في بريطانيا, كنت الأجنبي الوحيد بالمدرسة, وكذا كنت المصري الوحيد بجامعة كيمبريدج, ودائما ما قيل لي أنني أحمل الجنسية الخطأ, حيث إنهم كانوا يرون في ما يؤهلني لأعلي المناصب في صندوق النقد الدولي, والتي كانت مغلقة علي جنسيتي المصرية- حيث إنني اكتسبت الجنسيتين الفرنسية والأمريكية فيما بعد- وفي سن الأربعين أقدمت علي تغيير جذري, حيث انتقلت من العمل في المؤسسات النقدية الدولية إلي القطاع الخاص, فعوملت كغريب مرة أخري.
الأهرام: كيف يمكن تفسير هذه المعاملة طوال الوقت كغريب؟العريان: نحن المصريين ولطيبتنا الهائلة- دائما ما نقلل من قدر أنفسنا, وكذا ندع الأجانب يفعلون نفس الشيء بنا. ولكنني أري المسألة بشكل مختلف; فالمصري يبدأ الحوار ولديه رغبة وتطلع للتعلم, وهو أمر عظيم, في حين أن الأجنبي يبدأ الحوار برغبة أن يعلم الآخر, وهو الأمر غير الجيد. والحقيقة أن المصريين لديهم إمكانيات هائلة ولكنهم لا يدركونها, وأتذكر أن أحد الأساتذة في جامعة كيمبريدج قال لوالدي إنه يجب أن يفخر بي لحصولي علي مرتبة الشرف في التخرج, فما كان من والدي إلا أن قال له: أنا فخور به لتفوقه علي الإنجليز في عقر دارهم.
الأهرام: ولكن هل تشعر بأنك غريب بالفعل؟العريان: لقد تعلمت من والدي أن أنظر لأي قضية من جوانب عدة, كما أن تعليمي في كيمبريدج قام علي أساس التعلم من أربع مدارس اقتصادية, وبالتالي, فإن مسألة احساسي بالغربة أتعامل معه بدون انزعاج مع التأكيد علي أنني أحب العيش في مصر وطني.
الأهرام: اهتماماتك الاقتصادية عالمية أكثر من كونها قطرية أو إقليمية, ولكن مع الوضع في الاعتبار خبرتك العريضة كيف تشخص العيوب الهيكلية في الاقتصاد المصري؟العريان: الاقتصاد المصري لديه القدرة علي النمو, وهو الأمر الذي تحقق في الماضي بمعدلات وصلت إلي6% ولكن المشكلة أن هذه النسبة ذهبت لعدد محدود من الشعب, وهو ما يوصف بالنمو الاقصائي للغالبية العظمي من فئات المجتمع, وهو ما لا يجعله نموا مستداما. والنمو ليس مجرد أرقام, ولكنه يجب أن يترجم عمليا في شكل خدمات طبية وتعليمية وغذاء ومسكن.
الأهرام: ولكننا عندما كنا نشكو من ذلك, كان مسئولو النظام السابق يقولون إنها الرأسمالية؟!
العريان: ليس صحيحا, فالرأسمالية هي إتاحة الفرص للناس لكي ينتجوا ويبدعوا والحصول علي المقابل. ولكن الأمر في مصر كان اقتصاد قائم علي الاحتكار ومنع المنافسة وهو ما انعكس علي زيادة أرقام النمو, ولكنه لم ينعكس علي الحقوق الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة ومسكن ومشرب, وهي استحقاقات تتحمل الدولة مسئولية توفيرها.
الأهرام: لطالما نصحتنا المؤسسات النقدية الدولية بضرورة التحول إلي اقتصاد الخدمات, ألا تعتقد بعد أن عملت بصندوق النقد الدولي15 عاما أن مثل هذا الاقتصاد هش وغير مستقل؟
العريان: في الوقت الذي عملت به بالصندوق كانت النصائح تتمثل في تحقيق الاستقرار المالي من خلال استقرار أسعار صرف العملات وخفض التضخم وتأمين الانفتاح علي العالم تكنولوجيا وعلميا لتحقيق قفزات علي غرار ما تفعله الصين. أما النصيحة الأخيرة, فكانت تتمثل في تأمين وصول المصريين لمواردهم وحسن استغلالها. هذه كانت الإصلاحات الهيكلية التي كان يدفع بها الصندوق, وهي إصلاحات ضد الاحتكار بطبيعتها. أما بالنسبة للتحول إلي اقتصاد الخدمات, فإنني لم أسمع بها في الصندوق, كما أن الخدمات وحدها لا تقيم اقتصاد, بل الاعتماد عليها فقط تجعله شديد التعرض للهزات.
الأهرام: ما رأيك في محاولة النظام السابق الترويج لأسبقية الإصلاح الاقتصادي علي السياسي؟العريان: ليست قاعدة, ولعل الصين أبرز هذه النماذج وأكثرهم استثنائية, ولكن السبب يرجع إلي أن التنمية هناك تنتشل كل عام الملايين من الفقر, وهو ما يجعل الصينيين صبورين علي تأخر الإصلاح السياسي, ولكن الأمر لم يكن كذلك في مصر.
الأهرام: إذن أنت تعتقد بوجوب التزامن والتوازي بين الأصلاحين الاقتصادي والسياسي في مصر؟
العريان: بالطبع, فهناك أربعة تحديات أمام مصر ويجب التعامل معها بشكل متواز ومتزامن وهي: التحدي الاقتصادي الناجم عن التوقف المفاجيء لأنشطة اقتصادية يتطلب تحريكها جهدا مثل السياحة, وكذا إنتاج المصانع. التحدي الثاني يتمثل في بناء مؤسسات سياسية واخري اقتصادية وثالثة بيروقراطية لتسيير أمور الدولة ورابعة لإصلاح جميع هذه المؤسسات, وجميع هذه المؤسسات هي التي تمنحك اقتصادا قويا. أما التحدي الثالث, فهو تحقيق العدالة الاجتماعية التي تراجعت بشكل كبير, في حين يتمثل التحدي الرابع في الإصلاح السياسي. لقد نجحت المرحلة الأولي الصعبة من الثورة بإزاحة النظام السابق, إلا أنه لكي يكتمل نجاح الثورة, يجب التصدي للتحديات الأربع التي ذكرتها.
الأهرام: لقد أسفر التحالف غير المقدس بين رأس المال والحكم عن العديد من المفاسد في مصر, فهل يوجد بالغرب رجال أعمال داخل مؤسسات الحكم؟العريان: مصر لديها ثقافة شخصنة المؤسسات باختزالها في أصحابها. أما في الولايات المتحدة فإن المسألة معكوسة. وبالرغم من ذلك, فإنه عندما يختار رجل أعمال لدخول الوزارة, فإنه يقوم بتصفية نصيبه في عمله الخاص- مثلما فعل هنري بولسون وزير الخزانة علي سبيل المثال- وبهذا الإجراء, لا تنتقل الشركات إلي الحكومة علي عكس ما كان يحدث بمصر بكل ما عناه من احتكارات وغيرها من المثالب.
الأهرام: ما هو النموذج الاقتصادي الأمثل الذي تراه: النموذج الأمريكي أم الأوروبي الذي يميل إلي الاشتراكية, أم تري إمكانية لما يسمي بالاقتصاد الاسلامي؟العريان: أنا أتمني نموذجا مصريا فريدا, فإنا أؤمن بضرورة أن يكون لنا رؤية تتمثل في المكونات التالية: اقتصاد عصري تنافسي يحقق النمو لكافة أفراد الشعب تحديد المدي الزمني لتحقيق هذا الاقتصاد- تحديد المحطات الأربع الأول في رحلة الوصول لهذا الاقتصاد علي أن نتعلم ونتكيف كلما تقدمنا علي الطريق, وهو ما تفعله الصين. وهذا يتطلب تأمين الحريات الاقتصادية والسياسية, ثم تعريف حقوق الملكية لتشجيع الناس علي الابتكار والمبادرة. إذا ما تم ذلك, فإنني علي يقين بأن المصريين سيتفوقون بمراحل عن الآخرين. في الثمانينيات من القرن الماضي كنت علي متن طائرة مصر للطيران وتأخر الإقلاع خمس ساعات, إلا إنه بعد طيران11 ساعة وكعادة الطيارين المصريين فائقي البراعة لم نشعر بعجلات الطائرة وهي تلامس أرض المطار, وهو ما دفع الراكب الأمريكي بجواري أن يقول إن المصريين لا يبرزون في نظام سييء, مشيرا إلي تأخر إقلاع الطائرة من القاهرة, ولكنهم يبرزون الأخرين في نظام جيد, مشيرا إلي الهبوط الرائع في مطار نيويورك! يجب أن نعترف أننا لم يكن لدينا رؤية حتي شهور مضت. أما بالنسبة للنموذج الأقتصادي الاسلامي, فأنا مسلم, وما يعنيني هو تحقيق العدالة الاجتماعية التي أؤمن بأنها هدف سام للإسلام, وبأن التراحم بين الناس هو أحد جواهر ديننا. والحديث عن التراحم يدفعني إلي أن ألفت النظر إلي الرغبة والاستعداد الهائلين لكافة المصريين بالخارج لمساعدة وطنهم الأم, ولعدم ترك هذه الفرصة الذهبية تضيع من أيدينا.
الأهرام: هل تعتقد أنه من الأفضل في تلك المرحلة الاعتماد علي صناديق الاستثمار المصرية والعربية أكثر من اللجوء للبنوك؟العريان: كلما اعتمدت علي موارد لا تزيد من ديون مصر كان ذلك أفضل; فقد عانينا من ذلك في الماضي ولا نرغب في تكراره. ونموذج علي تلك المشاريع المشروع القومي للدكتور أحمد زويل الذي سيعتمد علي المساهمات والتبرعات. المهم هنا هو تمكين المصريين بالتعليم والبنية الأساسية. وكلما نجحنا في ذلك بعيدا عن الاقتراض, تعاظم نجاحنا. وأؤكد أنه لا يجب الاستهانة برغبة الجميع في مساعدة مصر وإنجاح الثورة. ولطالما قلت إنني نشأت في وطن آمنت بقدرته علي فعل أي شيي, وهو ما تأثر بشدة بسبب هزيمة عام1967 ولكنني عدت بفضل الثورة لكي أؤمن بقدرة مصر علي فعل أي شيء.
الأهرام: بعد تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام1999 استدعي كمال درويش نائب رئيس البنك الدولي لتولي منصب نائب رئيس الوزراء لإصلاح الاقتصاد, ونجح الرجل في أن يضع اقتصاد بلاده في مصاف الاقتصاديات الـ20 الأولي في العالم... هل لديك استعداد لتلعب نفس الدور مع وطنك؟
العريان: أحب وطني, وأحب أن أعيش به, وسأساعده بأي شكل, إلا إنني أعتقد صادقا بوجود اقتصاديين في مصر أكثر كفاءة مني.
الأهرام: قررت أن تتبرع بـ30 مليون دولار لمشروع زويل القومي وهو مبلغ ضخم!
العريان: مصر أهم وأعز, وقد اكرمني الله تعالي, أفلا أرد جزءا من هذا الكرم لأبناء وطني. هذا المشروع سيعود بالنفع علي آلاف من شباب الوطن من خلال تمكينهم بالتعليم, كما مكنت مصر في الماضي والدي, وكما فعل هو معي؟
الأهرام: ألم تكن صداقتك لزويل دافعا لهذا التبرع؟العريان: لطالما كنت فخورا بالدكتور زويل, إلا إنه يدهشك أننا لم نتعارف سوي منذ شهور والتقينا أربع مرات فقط, ولكنني أدركت أهمية وعظمة نتائج مشروعه علي مصر, فكان التبرع لها, وهو إسهام بسيط تطلب مجرد التوقيع علي شيك, في حين أن الدكتور زويل هو الذي سينهض بالعبء كله. لا تستهين بمدي حب المصريين لمصرهم, فما شهدناه علي شاشات التليفزيون من ثورة قمتم بها كان ملهما, ونحن في الخارج مدينون لكم, فأنتم الذين وقفتم وحدكم أمام الديكتاتورية.
الأهرام: ما رأيك في الجدل الدائر حول الأولويات: انتخاب برلمان أم كتابة دستور جديد أم انتخاب الرئيس؟العريان: بداية, يجب أن نتحرك بسرعة, حيث إن ضياع الوقت ليس في صالحنا, كما أن الظروف بالمنطقة والعالم تتعقد, والانتظار يعقد الأمور, كما أنه يهدد وحدتنا التي تحققت بفضل الثورة, كما أنه سيدفعنا للتركيز علي الماضي وهو الأمر الذي لا يعيب طالما كنا نتحرك للأمام والمستقبل.
الأهرام: ما أفضل الطرق للتعامل مع الماضي؟العريان: مثل ما فعلت جنوب أفريقيا باعتمادها سياسة الحقيقة والمصالحة, وهو ما لا يعني عدم عقاب من سرق ونهب. ولكن يجب عدم السماح لروح الانتقام أن تفقدنا هدفنا الأساسي في التحرك للمستقبل.
الأهرام: إذا جئت مصر وقت الانتخابات الرئاسية لمن ستصوت؟ وألم تكن تتمني أن يخوض الدكتور زويل الانتخابات.
العريان: لا أعرف الكثير عن المرشحين, كما أن الدكتور زويل أكد لي أن هذا ليس من طموحاته.