سيداتي سادتي:
إليكم هذا الخبر العاجل الذي وردنا توًّا من مراسلنا في الكويت:
قررت وزارة التربية والتعليم الكويتية فصل الطالب المصري باسم محمد فتحي بالصفّ الخامس الابتدائي، بعدما تم التأكد من ضلوعه في تكدير الرأي العام، وإثارة الفتن والإشاعات، ومحاولة "تصدير" الثورة المصرية إلى الكويت، و"تحريض" المواطنين على دولتهم.
وكان الطالب المصري قد تجرأ وسأل مُدرسته: "لماذا لا تعملون ثورة في بلدكم؟"، ولم يأخذ في اعتباره سيادة دولة الكويت الشقيقة على أراضيها ومواطنيها وأنها (حرّة فيهم!)، وتجاوزَ كل حدود اللياقة الدبلوماسية والأعراف التي تحدد سلوك الجاليات (حتى لو كانت من الشقيقة الكبرى مصر!).
ويشير مراقبون إلى أنه من المحتمل أن تنشب أزمة بين البلدين، خاصة بعد نجاح الثورة المصرية التي يخشى البعض أن تكون لها ميول نحو "تصدير" الثورة (بالمناسبة: ممكن أن تكون "الثورة" سلعة استراتيجية يتم تصديرها أفضل من البطاطس!).
بينما استبعد آخرون قيام أزمة، مشيرين إلى حكمة قادة البلدين، والتاريخ المشترك الذي يجمع بين الشعبين الشقيقين (ومش معقول تحدث أزمة بسبب طفل مراهق بيولوجيّا وسياسيّا!).
ومن المرجّح -حسب ما هو معتاد في مثل هذه الحالات- أن تحاول دول عربية شقيقة أخرى أن تدخل على الخط؛ لتقتل الأزمة في مهدها، وتذكِّر الجانبين المصري والكويتي بما يجب أن يكون عليه القادة العرب الذين هم يترفّعون دائمًا عن هذه الصغائر، وحتى عن شعوبهم!
ولم يتسنّ لنا الاتصال بالطفل المصري المشاغب لسؤاله عن دوافعه، وعن الجهات التي تحرّضه، وتقف وراء سلوكه هذا غير المبرر.. وسنوافيكم تباعًا بالتفاصيل حال ورودها.. تُصبحون على ثورة، أقصد: على خير!!
طبعًا الخبر لا يحتاج إلى تعليق! وكان الأوْلى وضعه في برنامج "طرائف وعجائب وغرائب" أو حتى "عالم الحيوان".. بدلاً من تداوله في نشرات الأخبار.. المهم أني لم أتخيل أبدًا أن مجرد سؤال من طفل صغير يمكن أن يتطور بهذا الشكل ليشغل دولة وجهازها التربوي!
هل هي هشاشة نظام عربي (لا تنس أن تقول: نظام عربي شقيق) لم يتحمل طفلاً صغيرًا حاول أن يطلق لخياله العنان بعد أن نجحت الثورة في بلده، وظن أن كل البلاد العربية حُبلى بثورات وتنتظر القائد المخلّص؟! (وهي برأيي كذلك بالفعل ولكن لكل ثورة كتاب).
هل هي هشاشة النظام التربوي العربي الذي لم يتعوّد طرح الأسئلة، وإثارة الإشكاليات، وعصف الأذهان، بل قام في فترات التراجع الحضاري على الحفظ والتلقين الذي يعكس في وجه ومن وجوهه: الديكتاتورية التي تتبدى في كل نشاطات الحياة؟!
لقد فات على حكامنا أن يدركوا أن ثورة الاتصالات وتقنياتها التي تتطور يومًا بعد يوم، بل لحظة بلحظة، لم تدع فائدة لأساليبهم التقليدية، وأبطلت مفعولها في منع شعوبهم من التفاعل والتجاوب مع ما يحدث في العالم، فضلاً عن تأثر دول العالم العربي بعضها ببعض.
فعندما قامت الثورة التونسية سارع كل بلد عربي شقيق ليعلن أنه محصَّن ضد هذا الفيروس الجديد، الذي انطلق من جثة محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه وأحرق بها أوهامًا وأباطيل وخزعبلات روَّجتها الأنظمة المستبدة التي أعلنت منذ زمن: موت شعوبها، أو بمعنى أدق: اغتيالها!
ولكن اتّضح أنهم غير محصّنين ولا يحزنون! حتى الدول التي لم تقع فيها ثورات لأسباب كثيرة، فإن أنظمة الحكم فيها سارعت باتخاذ خطوات إصلاحية ما كان لها أن تتخذها إلا تحت وطأة الخشية من الثورات المجاورة.. وهذه ميزة كبرى بكل المقاييس.
يا بوعزيزي: لا تحزن، وطبْ نفسًا، وقرَّ عينًا، ونَمْ هادئًا، واسترحْ كثيرًا.. فإن جسدك المحترق أنطق الصامتين.. وحرَّك الساكنين.. وزلزل عروشًا.. وجعل بلدًا عربيًّا شقيقًا يهتز من سؤالِ طفلٍ صغيرٍ لَمَّا يبلغ الحُلُم بعدُ!