السلام عليكم \الحق الطبيعي هو مجموع القواعد التي وصفتها الطبيعة بقطع النظر عن كل تشريع وضعي. لكن هذا الحق الطبيعي بقي غامضا وكان موضوع جدال قوي. فالسفسطائيون يختزلونه في قانون الغاب ويربطونه بالقوة، ولكن أفلاطون يضع المشكل بطريقة مغايرة إذ يربط بين الحق الطبيعي وفكرة العدالة، ففي منظور أفلاطون مثال الخير هو الذي يؤسس الحق والعدالة.
والنظرية الكلاسيكية للحق الطبيعي التي أسسها أفلاطون و دعمها أرسطو والرواقيون، تتجدد مع شيشرون الذي أكد أن هناك معيارا أساسيا للتمييز بين القوانين، حيث يقول : فكي نميز قانونا حسنا عن آخر قبيح، لا نتوفر على قاعدة غير الطبيعة ؛ وسيكون من باب الحماقة الاعتقاد بأن هذه التمييزات تقوم على مجرد مواضعة، وليست مؤسسة من حيث طبيعته. إن الحياة يجب أن تقوم على الحب والإخاء فأساس الفضائل هو حب الناس، وحب الناس هو أساس الحق. ومتى قام الحق على الطبيعة الخيرة للإنسان كان ملزما.
في الفلسفة الحديثة مع توماس هوبز يتماهى الحق الطبيعي مع حق الأقوى، إذ يرى هوبز أن الإنسان ذئب للإنسان. فالإنسان أناني و شرير بطبعه، ويتلخص الحق الطبيعي عنده في أن لكل الناس الحق على كل الأشياء ، إنها إذن حرب الكل ضد الكل ؛ إنها الحرية المطلقة في أن يفعل الإنسان ما شاء وأنى شاء. و يترتب عن ذلك تأسيس قانون يقوم على الحق الطبيعي في حب البقاء والدفاع عن النفس بكل الوسائل الممكنة.
وقد تبنى سبينوزا أطروحة الحق الطبيعي، وأكد أن هذا الحق يتلخص في أن لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه، وليس هناك فرق بين الإنسان والكائنات الأخرى. فلكل الضروب الحق في أن تتصرف وفق ما تشتهيه وما تمليه عليها طبيعتها. لكن، لكي يعيش الناس في وفاق وأمان كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد؛ وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وهذا أمر لا يتناقض مع الحق الطبيعي باعتبار العقل جزءا منه.
إلا أن جان جاك روسو يتناقض مع أطروحة الحق الطبيعي القائم على القوة، فالإنسان خير بطبعه، والقوة قاعدة فيزيائية لا يمكن أن يقوم عليها الحق. وبما أن الإنسان كائن عاقل لابد أن يتنازل عن الأنانية التي فرضها عليه جشعه وحبه للمال، وتفرده بالسلطة، وبالتالي قيام المدنية على أسس خاطئة، فالمدنية لا تقوم إلا على صوت الواجب، والحق يجب أن يعوض الشهوة والاندفاعات الجسدية.